«بين الحريات والقمع».. تصريحات وزير الداخلية الليبي بشأن «شرطة الآداب» تثير جدلا واسعا
«بين الحريات والقمع».. تصريحات وزير الداخلية الليبي بشأن «شرطة الآداب» تثير جدلا واسعا
أثارت تصريحات وزير الداخلية المكلف في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، اللواء عماد مصطفى الطرابلسي، حول قضايا الأخلاق العامة في المجتمع الليبي، ردود فعل متباينة، بعدما أعلن عن سلسلة من الإجراءات الجديدة، والتي قال إنها تهدف إلى "حماية القيم الإسلامية والمجتمعية" في البلاد.
ومن بين الإجراءات التي أعلن عنها وزير الداخلية، منع الاختلاط في المقاهي والمطاعم، وتقييد سفر النساء، وفرض الحجاب على الفتيات من سن التاسعة، وإغلاق محال الحلاقة التي لا تلتزم بالعمل وفق الضوابط الاجتماعية، وملاحقة مقدمي المحتوى الذي لا يناسب ثقافة وأعراف المجتمع الليبي على مواقع التواصل.
وشدد الوزير الليبي، على البدء في تفعيل شرطة الآداب انطلاقا من الشهر المقبل بناءً على مطالب اجتماعية، قائلاً إن من يتحدثون عن الحرية الشخصية دون الالتزام بالتقاليد والأعراف الليبية يمكنهم الذهاب للعيش في أوروبا.
تقييد صارخ للحريات
ويرى العديد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا أن هذه الإجراءات تشكل تقييدًا صارخًا للحريات الشخصية وتعديًا على حقوق المواطنين.
وقال رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أحمد حمزة، إن ما جاء في تصريحات وزير الداخلية المكلف بشأن الضوابط الأخلاقية، والتطرق لقضايا تمس بحقوق الإنسان والمواطنة والحريات العامة والخاصة، ومحاولته تحويل الوزارة من سلطة إنفاذ للقانون إلى تشريع للقوانين بحسب وجهات نظره وآرائه، هي مخالفات جسيمة تمس بحقوق وحريات مكفولة بالأسس والقواعد الدستورية والقانونية، وخصها بالذكر الإعلان الدستوري المؤقت والقانون المدني وقانون الأحوال الشخصية وغيرها من التشريعات الأخرى.
وأضاف "حمزة"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هذه التصريحات وما شابها من تجاوزات ومخالفات لصلاحيات ومهام عمل الوزارة باعتبارها سلطة إنفاذ القانون، خالفت بشكل واضح وصريح قانون الإجراءات الجنائية الذي هو الأساس في توجيه عمل الوزارة والالتزام به والخضوع له، لا أن يخترق قوانين وإجراءات خارجة عن سلطته التنفيذية في إنفاد القانون وتتعارض مع أسس وقواعد دستورية ضامنة لحماية الحقوق والحريات ومحاولة العمل خارج إطار الحدود والصلاحيات للمهام المناطة به وفقا لقرار مجلس الوزراء بإعادة تنظيم وهيكلة وزارة الداخلية.
وتابع: أن هذه التصريحات عبثية وخارجة عن القانون وتمس بحقوق الإنسان وتنتهكها بشكل واضح، حيث إن "قانون حماية الآداب" لا يعطيه الحق في التطرق لهذه المسائل، ولا يعطي الحق أيضا بالمساس بالحقوق والحريات الأساسية والعامة والمكفولة وفق الأسس والقواعد الدستورية الناظمة لهذه القضايا والمسائل والواجب الالتزام به، باعتبار الإعلان الدستوري المؤقت هو الأساس الدستوري والشرعي لكل هذه المنظومة السياسية والنظام السياسي القائم اليوم في ليبيا، فتجاوزه ومخالفته خروج عن الأسس والقواعد الدستورية وتصبح المسألة خارجة عن الإطار الدستوري والقانوني، وعمل الوزارة خارج إطار القانون كسلطة إنفاذ القانون هذه تعد مخالفة جسيمة وتستوجب المحاسبة والمساءلة للوزير المكلف حيال ما قام به.
وقال “حمزة”، إن ما تطرق له الوزير تشويه للمجتمع الليبي وإساءة له سواء كان عن عمد أم العكس، ويعاقب عليه نص المادة رقم (195) من قانون العقوبات الليبي ألا وهي إهانة الشعب الليبي، فضلا عن أنها خروج عن النظام العام والمساس بحقوق دستورية ووطنية وقانونية مكفولة للشعب الليبي.
ضوابط قانونية ودستورية
أوضحت الخبيرة القانونية، بثينة أبو زيد، أن الدستور في ليبيا يوفر الإطار العام لجميع القوانين والتشريعات، ويضمن حقوق وحريات الأفراد ويحدد هيكل الحكومة ووظائفها والمبادئ التوجيهية لصنع القوانين وتطبيقها، والخطاب الذي صدر عن وزير الداخلية انحصر في الأفعال الموجودة في الشارع مثل النساء اللاتي لا يرتدين الحجاب والشباب الذين يحلقون شعرهم بطرق غريبة وغيرها.
وقالت بثينة أبو زيد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن القانون الليبي أشار لكل شيء بنصوصه القانونية، والفصل الثالث من قانون العقوبات الليبي أشار للأشياء والأفعال الفاضحة وقام بتفصيلها بشكل واسع جداً وبين ما هو الفعل الفاضح وعقوبته وذكر أركان جريمته وتحدث عن كل فعل يصدر عن مواطن هل هو جريمة أم لا، كما تطرق لنشر الأشياء الفاضحة بكامل أركانها، ولكن لا يمكن لأي شخص أن يجرم فعل أو ينفيه فهذا ليس من صلاحياته، حتى وإن كان مسؤولا، بل يجب عليه تجهيزه كمشروع وإعداده من قبل أهل الاختصاص ويعرض على مجلس النواب ويأخذ طريقه ووقته في النقاش والصياغة وعندما يتم الموافقة عليه تأتي خطوة إصداره، لكن ما صرح به الوزير يعد خطوات غير مدروسة وارتجالية.
وأشارت إلى أن هناك شعرة بسيطة جداً في القانون بين الأفعال المنافية للحياء والأفعال الفاضحة، فالأولى لا صلة لها بالغريزة الجنسية ولكنها تتعارض مع الأخلاق والآداب العامة، وللعقاب عليها يجب أن تقع هذه الأفعال في مكان عام ومفتوح، أما التفوه بكلام منافٍ للحياء فيعاقب عليه إذا وقع في محل عام ومفتوح للجمهور، لذا فإن العلانية والتي تتمثل في إمكانية مشاهدة الفعل أو سماعه تمثل عنصرا أساسيا في هذه المخالفة، مؤكدة أن كل خطوة تصدر عن رئيس أو وزير يجب أن تكون مدروسة ومحسوبة فليس من السهل إصدار قرارات أو فرض إجراءات ارتجالية لأنه بحكم مسؤوليته يحاسب عليها وستكون النتائج سلبية.
وعبرت المحامية والناشطة الحقوقية، جميلة بن عتيقة، عن رفضها تصريحات وزير الداخلية، قائلة، عوضاً عن الاهتمام بمؤسسات الدولة ومكافحة الفساد بداخلها، وتطبيق القانون على الجميع دون تمييز جهوي أو قبائلي أو توجه سياسي والحفاظ على أمن المواطنين، يقوم وزير الداخلية بالإساءة للمرأة الليبية ولكرامتها وللقيم الأخلاقية التي يتمتع بها المجتمع الليبي، في مؤتمر صحفي شاهده العالم أجمع، بمخالفة صريحة للقوانين والتشريعات الوطنية المعمول بها، كونه سلطة تنفيذية واختصاصاتها محددة.
وكتبت عضو البرلمان ورئيس اللجنة الليبية للتنمية المستدامة، ربيعة بوراص، في تدوينة على صفحتها الشخصية، “بعد خطاب وزير الداخلية هل ستفتح أوروبا طلبات اللجوء الإنساني لليبيين أم سيغرقون في قوارب الهجرة ليس بسبب الفقر والبطالة لكن بسبب أنه كان يعمل حلاقا وكانت تعمل مزينة وكانوا يجلسون في مقهى بدون أوراق رسمية، ولا ترتدي ملابس من متجر الغرابيب السود، هل اليوم الأسرة الليبية قاصرة على تربية أبنائها وتحتاج إلى وصي، ومن يصفقون لمثل هذه الخطابات ويمدحونها، هم من القصر الذين تحدث عنهم وزير الداخلية أم أنهم فوق الوصاية، هل تحويل المجتمع الليبي لمقابر جماعية حية يحقق الاستقرار؟”، متسائلة أين رئيس حكومة الوحدة الوطنية من هذا الخطاب.
صدمة للحقوقيين
ويرى الناشط الحقوقي، طارق لملوم، أن تصريحات وزير الداخلية المكلف هي تصريحات صادمة نظراً لتكرار مثل هذه الأمور التي تصدر عنه، والتي تحمل تناقضات كبيرة خلال أشهر، في بداية حديثه كان يتكلم عن أزمة الوقود وما قدمته للجنة الأزمة ثم يخرج من محورها ويدخل في تفاصيل وقضايا هي أساسا ليست قضايا جدلية في المجتمع الليبي بل هي مشاكل موجودة في أي مجتمع، وهي من الأشياء القليلة التي لا تذكر، وهناك مؤسسات في ليبيا تقوم بعلاج مثل هذه المسائل لو قلنا إنها تخالف القانون.
وأضاف "لملوم"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هناك تناقضات كثيرة في خطاب وزير الداخلية، وعندما تحدث عن الهجرة والمهاجرين، كانت تصريحاته في يوليو الماضي أنه لا يوجد أي جهة دولية قامت بالضغط عليه بخصوص هذا الموضوع ورحب بوجود المهاجرين وطالب بدعم من المجتمع الدولي وإيطاليا في قضية العودة الطوعية، والآن اختلف الأمر حيث يتحدث عن ضغوطات تحصل له من بعض السياسيين والجهات الدولية، وفتح النار على المنظمات الدولية وتحدث عن قضايا حقوق الإنسان بسخرية.
وتابع، أن الأمر الأخطر في ذلك عندما عدد المشاكل الكبرى ووصفها بأنها تهدد الأمن القومي مثل المخدرات والهجرة والتهريب وغيره، كما أنه أضاف ولو ضمنياً أن المرأة الليبية هي في حد ذاتها مشكلة وأنها تهدد الأمن القومي، بمعنى أنه يتحدث عن المرأة وكأنها كائن يجب الحفاظ عليه والمبالغة في ذلك بأن ليبيا يوجد فيها نساء ويجب الخوف عليهن من خلال ما تحدث عنه في موضوع الحجاب والمنع من السفر بدون محرم أو أخذ موافقته، وهذا خطأ يستوجب اعتذار الوزير.
انتهاك حقوق الإنسان
وقالت أستاذة العلوم السياسية والإدارة العامة، عبير أمنينة، إن التصريحات التي أدلى بها الطرابلسي، تمثل انتهاكا لحقوق الإنسان وللإعلان الدستوري الذي أسس للحريات العامة وحقوق الإنسان في التحرك وفي التعبير وفي التجمع، وفي كل ما يتعلق بممارسة الحياة العامة في ظل الضوابط المتفقين عليها جميعاً.
وقالت "أمنينة"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، إن ما جرى تجاوز كبير للصلاحيات التي منحت لوزير الداخلية المكلف بموجب القانون وتعدٍ على اختصاصات أخرى وعلى الإعلان الدستوري والحقوق المكفولة بموجبه، ويجب على المنظمات المدنية والتيار المدني أن تقف ضد هذه التصريحات، لأنه منذ البداية المستهدف بالمقام الأول النساء وبعدها يكون هنالك الحلقات الأخرى، مشيرة إلى أن التصريحات تعكس طبيعة الحال، كأي سياسي في هذه المرحلة اتكاؤه على الشعبوية للحصول على المزيد من تأييد الرأي العام لأن كل ما يتعلق بتقييد المرأة وتصفية حريتها وحركتها يعتبر مطلبا لأغلبية ساحقة بالمجتمع الليبي.
من جانبه، قال الأكاديمي الدكتور مسعود السلامي، إن تصريحات وزير الداخلية المكلف لكي تصبح قابلة للتنفيذ لا بد أن تخضع للتشريعات وقوانين بهذا الخصوص، فالمسألة ليست مجرد تصريح قابل للتطبيق، مشيراً إلى أن هذه التصريحات قد تكون وليدة اللحظة، ولم تأتِ من قبل برنامج تبنته الحكومة، وأثارت نوعا من البلبلة في الرأي العام، وأعتقد أن هذه التصريحات جاءت بشكل عشوائي.
أمر معيب
وقالت الصحفية، سالمة المدني، إن الوزير مهمته تنفيذ القانون وليس متابعة من يجلسون في المقاهي من الجنسين، إلا إذا ارتكب من يجلسون فيها جرما يحاسب عليه القانون، ولكن التصريحات التي صدرت في الآونة الخيرة فهو أمر معيب أمام الناس ويظهر بناتنا ونساءنا بمظهر السلوك السيئ، وكأنه مجتمع بلا أخلاق، هنا وجب الانتباه فهو بمنصب وزير ويمثل الدولة الليبية، وأي حديث يصدر عنه يصبح تصريحا له ما له وعليه ما عليه.
وأضافت "المدني"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أتمنى أن يعمل الوزير على ما أوكل إليه من مهام في ظل تنفيذ القانون، وإن كان هناك أي تجاوزات تحدث فيجب معالجتها بالطرق الصحيحة التي يكفلها القانون، دون التعرض للزملاء والزميلات سواء في الجامعة أو في أماكن قد يجمعهم العمل فيها، وإذا كان هدفه حماية المجتمع فالمجتمع تحميه قوة القانون، منوهة إلى أن هناك ملفات مهمة وجب التركيز عليها وإعطاؤها الأولوية مثل التهريب والاتجار بالبشر، وغسيل الأموال ومن يعبثون بالبيئة وغيرها من هذه الجرائم والتجاوزات، مؤكدة أن المجتمع محتاج للمزيد من الاحترام والتقدير ورفع الروح المعنوية، خاصة أن الشعب مر بحروب وأزمات وأمراض ومآسٍ عديدة.
تصعيد خطير
من جانبها، اعتبرت منظمة العفو الدولية تصريحات وزير الداخلية المكلف بحكومة الوحدة الوطنية تصعيداً خطيراً في مستويات القمع الخانقة أصلاً في ليبيا بوجه الذين يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة، وأن اقتراحات فرض الحجاب الإلزامي على النساء والفتيات من عمر 9 سنوات، وتقييد الاختلاط بين الرجال والنساء، ومراقبة اختيارات الشباب الشخصية في ما يتعلق بقصات الشعر والملابس، ليست فقط مثيرة للقلق بل تشكل انتهاكاً لالتزامات ليبيا بموجب القانون الدولي.
وأضافت "منظمة العفو" في بيان نشرته على موقعها الرسمي، أن تصريحات "الطرابلسي"، تعد انتهاكا لحقوق المرأة والمساواة مع اقتراح الوزير إجبار النساء على الحصول على إذن من أولياء أمورهن المحارم قبل السفر إلى الخارج متفاخراً بإعادة فتاتين ليبيتين قسراً من تونس بعدما سافرتا من دون أولياء أمورهن.